22- الأذان والإقامة
س126: ما هو الأذان؟ وما هي الإقامة؟
ج: هو لغة: الإعلام. قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر، والإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص فيها.
س127: ما الأصل في مشروعيتهما من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ وأما الأدلة من السُّنة، فمنها ما يأتي قريبًا في مواضعه –إن شاء الله-.
س128: في أي وقت كان ابتداء شرعية الأذان؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: قيل: إن أصح ما ورد في تعيين ابتداءه هو أنه عندما قدم المسلمون المدينة، لما ثبت عند البخاري ومسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي من حديث عبدالله بن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله : «قم يا بلال فناد بالصلاة».
س129: ما حكم الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: فرض كفاية على الرجال المقيمين لللوات الخمس المفروضة والجمعة، لما ورد عن مالك بن الحويرث، أن البني قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» متفق عليه، ولما ورد عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: «ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» رواه أحمد.
س130: ماذا يعمل مع أهل بلد تركوهما؟ بين الحكم مقرونًا بالدليل.
ج: يقاتل أحد بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وقد كان الغزاة في أيام النبرة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل بلد أو قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة؛ فإن سمعوا أذانًا كفوا عنهم، وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين، ولما ورد عن أنس أن النبي كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إلينا؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، قال: فخرجنا إلى خيبر، فلما انتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله ، قال: فخرجوا إلينا بملكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي قالوا: محمد والله محمد، والخميس فلجأوا إلى الحصن، فلما رآهم رسول الله قال: «الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» متفق عليه.
وعن عصام المزني قال: بعثنا رسول الله في سرية، فقال: «وإذا رأيتم مسجدًا وسمعتم مؤذنًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الترمذي وأبو داود.
س131: ما صفة الأذان؟ وكم هو من جملة؟ بين ذلك مع ذكر الدليل.
ج: الأذان خمس عشرة جملة في غير الفجر، يكبر أربع تكبيرات، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ويقول: الله أكبر مرتين ولا إله إلا الله مرة، ويزيد في الفجر بعد قوله حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم مرتين، فيكون أذان الفجر سبع عشرة جملة.
عن عبدالله بن زيد قال: «لما أجمع رسول الله أن يضرب بالناقوس وهو كاره له لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم، رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: تدعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»، قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله : «إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر» رواه أحمد.
وعن أنس قال: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة» رواه الجماعة، وعن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله، علمني سُّنة الأذان فعلمه، وقال: «فإن كان صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله» رواه أبو داود وأحمد.
س132: بين معاني ما يلي من الكلمات: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الشفع، الوتر، الترسل، الحدر.
ج: أشهد أن لا إله إلا الله: معناها أعلم أن لا إله إلا الله، وأبين أن لا إله إلا الله؛ ولهذا سميت الشهادة بينة، وقلو الله عز وجل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ معناه: بين الله ذلك، وأعلم أن لا إله إلا هو، وشهد الشاهد بالحق عند الحاكم معناه بين للحاكم وأعلمه ما عنده من الخير، أشهد أن محمدًا رسول الله معناها أيضًا: أبين وأعلم، والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءت الإبل رسلاً، أي متتابعة. قال الأعشى:
يسقي رياضًا لها قد أصبحت عرضًا
زورًا تجانف عنها القود والرسل
والقود: الخيل، والرسل: الإبل المتتابع. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل معناه: هلموا إليها وأقبلوا عليها، وعلى هاهنا بمعنى: إلى، أي هلم إلى الصلاة، والحيعلة حكاية. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال الشاعر:
ألا رب طيف منك بات معانقي إلى أن دعا داعي الصباح فحيعلا
ونظيرها في الكلام، البسملة والحوقلة إذا قال بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر:
لقد بسملت ليلي غداة لقيتها
فياحبذا ذاك الحديث المبسمل
وزاد بعضهم: السبحلة والحمدلة حكاية قول سبحان الله والحمد لله وزاد بعض المتأخرين الطيلقلة والدمعزة حكاية قول القائل أطال اله بقاءك، وأدام عزك، وزاد بعضهم: الجعفلة حكاية قول القائل: جعلت فداك،
الفلاح الفوز والبقاء، أي هلموا إلى العمل الذي يوجب البقاء والخلود في الجنة، وقول الصلاة خير من النوم، يسمى التثويب من ثاب إذا رجع وثوب الداعي إذا كرر ذلك؛ لأن المؤذن دعا إلى الصلاة ثم عاد إليها، ويقال: تاب إليه عقله، أي رجع إليه، وأنشدوا في ذلك:
وكل حي وإن طالت سلامته
يومًا له من دواعي الموت تثويب
الشفع: الزوج، يقال: شفعت الشيء إذا ضممت إليه مثله، والمراد أن يأتي بألفاظه شفعًا وهو مفسر بقوله: مثنى مثنى، قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله مثنى على ما سواها. انتهى. فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة، كحديث عبدالله بن زيد ونحوه؛ الوتر: الفرد وأوترته إذا أفردته؛ الترسل: التمهل، والثاني من قولهم: جاء فلان على رسله؛ والحدر: الإسراع؛ الله أكبر: أي من كل شيء أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير. والله أعلم.
س133: ما الدليل على أفضلية الأذان من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية. وعن معاوية أن النبي قال: «إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله : «من أذن محتسبًا سبع سنين كتب له براءة من النار» رواه ابن ماجه، وفي حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».
س134: بين حكم الأذان في حق المسافر، واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه واجب في السفر للجماعة، كما يجب في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر، وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليـؤمكما أكبركما» متفق عليه. وهذا ظاهر في وجوبه؛ ولأنه وأصحابه لم يكونوا يتركون الأذان في أسفارهم، وقيل: إنه مسنون للمسافر، لما ورد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: «يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س135: بين حكم الأذان قبل دخول الوقت، وجلوس المؤذن بعد الأذان. واذكر الخلاف.
ج: لا يجوز قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل، لما ورد عن ابن مسعود، أن النبي قال: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله : «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا حتى يستطير، هكذا يعني معترضًا» رواه مسلم وأحمد والترمذي، ولفظهما: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال والفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق»، وروى زياد بن الحارث الصدائي قال: «لما كان أول أذن الصبح أمرني النبي فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إليّ ناحية الشرق، ويقول: «لا حتى إذا طلع الفجر»، نزل فبرز، ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخا صداء قد أذن فهو يقيم» قال فأقمت» رواه أبو داو والترمذي، ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت، وقيل: لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر، لمـا روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام، وعن بلال أن رسول الله قال له: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر» هكذا، ومد يديه عرضًا. رواهما أبو داود. ومن حديث أنس عند البخاري وغيره قال: «إن النبي كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، فجعل شعار ديار الإسلام الأذان على طلوع الفجر»، وقالت طائفة من أهل الحديث: إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس؛ لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت، لم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما، ويستحب أن يجلس مؤذن بعد أن أذان صلاة يسن تعجيلها، كمغرب جلسة خفيفة، ثم يقيم الصلاة، لحديث أبي بن كعب مرفوعًا «اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي حاجته في مهل» رواه عبدالله بن أحمد.
وعن جابر أن النبي قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمقتضى إذا دخل لقضاء حاجته» رواه أبو داود والترمذي.
وكل أذان ليس في الوقت باطل
وبعد أذان المغرب أقعد هنيهة
فأذن لأولاهن ثم أقم لها
وفي موضع التأذين إن يسهلن أقم
بلى بعد نصف الليل للفجر غرد
وإن تشأ جميعًا أو فوائت باعد
وفي باقيات للإقامة أفرد
وفي مغرب بعد الأذان ليقعد
يسيرًا فلا تكره إذًا ركعتين للمصلي بلا خلف على نص أحمد.
س136: ما حكم رفع الصوت بالأذان؟ وما دليل الحكم؟
ج: مسنون، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس» رواه الخمسة إلا الترمذي، وعن عبدالله بن عبدالرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له: «أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ، رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه.
س137: بين حكم ما يلي: التثويب في أذان الفجر بعد الحيعلة، الإسراع في الإقامة، جعل المؤذن أصبعيه في أذنيه، التفاته في الحيعلة يمينًا وشمالاً غير مستدير وكونه على علو، وكونه متطهرًا قائمًا مترسلاً، وكونه أول الوقت, وكون المؤذن عالمًا بالوقت، بصيرًا حسن الصوت.
ج: هذه من المسنونات، لما ورد عن أبي جحيفة قال: «رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه» رواه أحمد والترمذي، وصححه. ولابن ماجه «وجعل أصبعيه في أذنيه»، ولأبي داود: «ولوى عنقه لما بلغ حي على الصلاة يمينًا وشمالاً ولم يستدر» وأصله في «الصحيحين»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي والبيهقي مرفوعًا من حديث أبي هريرة وموقوفًا عليه، وقال: وهو أصح، وأما كونه على علو، فلأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن» رواه أبو داود؛ وأما كونه مستقبل القبلة، فتقدم حديث أبي جحيفة وما يفهم منه، قال في الشرح: ولا نعلم خلافًا في استحبابه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السُّنة أن يستقبل القبلة بالأذان، وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة؛ وأما كونه قائمًا، فلما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «قم فأذن» وكان مؤذنوه صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا. قال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السُّنة؛ لأنه أبلغ في الأسماع؛ وأما كونه مترسلاً، فلما روى جابر أن النبي قال لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» رواه الترمذي وضعفه؛ وأما الدليل على كونه في أول الوقت، لما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي ، فإذا خرج أقام حين يراه» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأما كونه عالمًا بالوقت فلأمن الخطأ، وليتمكن من الأذان في أوله، وأما كونه بصيرًا، فلأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط، وكره ابن مسعود وبان الزبير أذانه، وكره ابن عباس إقامته؛ وأما كونه صيتًا، فلقوله لعبدالله بن زيد «ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» ولأنه أبلغ في الإعلام؛ وأما التثويب، وهو قول الصلاة خير من النوم مرتين، فلقول بلال «أمرني رسول الله أن ثوب في الفجر، ونهاي أن أثوب في العشاء» رواه ابن ماجه؛ وأما حدر الإقامة، فلقوله لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر» رواه أبو داود.
قال في «مختصر النظم»:
على نَشَزِ مُستقبلاً قائمًا فكنْ
وحيعل يمينًا بالتفاتٍ ويسرة
وخذ عن بلالٍ خمس عشرة كلمة
وإن يترسل بالأذان ويحدر
ومن أذن احرصْ أن يقيم مكانهُ
وفي الأذنين الأصبعين فأورد؟
ولا تدر الرجلين والطهر جود
ومن يقم إحدى عشرة ليعدد
الإقامة يظفر بالأحب ويقتدى
وللفجر بالتثويب ثنتين أفرد
س138:من الأولى أن يتولى الأذان والإقامة؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يستحب أن يتولاهما واحد، لحديث زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء أذن» قال: فأذنت وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم» رواه الخمسة إلا النسائي، ولفظه لأحمد.
س139: ما حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم أخذ الأجرة، ويجوز أن يجعل له رزق من بيت المال لعدم متطوع، لما روى عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س140: بين من المقدم عند تشاح المؤذنين؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يقدم أولاً أفضلهما فيه، ثم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قرعة؛ أما دليل الأفضل فيه، فقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله ابن زيد: «ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا» الحديث، وتقدم قريبًا. وقدم أبا محذورة لصوته؛ وأما الدليل على تقديم الأفضل في دينه وعقله عند الاستواء في ذلك، فلما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» رواه أبو داود وغيره؛ ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت فبالأفضلية في ذلك أولى؛ لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت؛ لأن الضرر بفقدهما أشد، وأما تقديم من يختاره الجيران على غيره؛ فلأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم؛ ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن أعف عن النظر وعن الشبهات؛ وأما كونه يقرع عند التساوي، فلقوله : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد. قال الناظم:
ومتقن ذا قدمه عند تنازع
ومن يحتسبه فهو أو من الذي
فإن يستووا أقرع كسعد وجوزن
فدين فعقل فانتقا جار مسجد
له رزق بيت المال أو أجر ممدد
أذانًا لأعمى متقن أو مقلد
س141: إذا جمع أو قضى فوائت، فما الحكم؟ وكم يؤذن؟ وكم يقيم؟ وضح ذلك.
ج: حكم الأذان والإقامة مسنون فيؤذن للأولى ويقيم لكل فريضة، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع رسول الله في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ ، فقال: «تنحوا عن هذا المكان»، قال: ثم أمر بلال فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح، رواه أبو داود.
ولما ورد عن أبي عبيدة بن عبدالله ابن مسعود عن أبيه «أن المشركين شغلوا النبي يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
ولما روى مسلم عن جابر: «أن النبي أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» إلى غير ذلك من الأدلة.
س142: ما المسنون قوله عند سماع الأذان؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: يسن متابعته سرًا بأن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا في التثويب فيحوقل أو يقول: صدقت وبررت، لما ورد عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله :
«إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» رواه مسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ومثل المؤذن قبل إذا ما سمعتهُ
وعند فراغ منه فاسأل وسيلة
وفضل أذان المرء يعلو إمامة
وحوقل إذا حيعل تثابن وترشد
لخير الورى تؤت الشفاعة في غد
وقد قيل بل بالعكس فاختر وجود
س126: ما هو الأذان؟ وما هي الإقامة؟
ج: هو لغة: الإعلام. قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر، والإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص فيها.
س127: ما الأصل في مشروعيتهما من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ وأما الأدلة من السُّنة، فمنها ما يأتي قريبًا في مواضعه –إن شاء الله-.
س128: في أي وقت كان ابتداء شرعية الأذان؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: قيل: إن أصح ما ورد في تعيين ابتداءه هو أنه عندما قدم المسلمون المدينة، لما ثبت عند البخاري ومسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي من حديث عبدالله بن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله : «قم يا بلال فناد بالصلاة».
س129: ما حكم الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: فرض كفاية على الرجال المقيمين لللوات الخمس المفروضة والجمعة، لما ورد عن مالك بن الحويرث، أن البني قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» متفق عليه، ولما ورد عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: «ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» رواه أحمد.
س130: ماذا يعمل مع أهل بلد تركوهما؟ بين الحكم مقرونًا بالدليل.
ج: يقاتل أحد بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وقد كان الغزاة في أيام النبرة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل بلد أو قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة؛ فإن سمعوا أذانًا كفوا عنهم، وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين، ولما ورد عن أنس أن النبي كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إلينا؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، قال: فخرجنا إلى خيبر، فلما انتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله ، قال: فخرجوا إلينا بملكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي قالوا: محمد والله محمد، والخميس فلجأوا إلى الحصن، فلما رآهم رسول الله قال: «الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» متفق عليه.
وعن عصام المزني قال: بعثنا رسول الله في سرية، فقال: «وإذا رأيتم مسجدًا وسمعتم مؤذنًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الترمذي وأبو داود.
س131: ما صفة الأذان؟ وكم هو من جملة؟ بين ذلك مع ذكر الدليل.
ج: الأذان خمس عشرة جملة في غير الفجر، يكبر أربع تكبيرات، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ويقول: الله أكبر مرتين ولا إله إلا الله مرة، ويزيد في الفجر بعد قوله حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم مرتين، فيكون أذان الفجر سبع عشرة جملة.
عن عبدالله بن زيد قال: «لما أجمع رسول الله أن يضرب بالناقوس وهو كاره له لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم، رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: تدعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»، قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله : «إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر» رواه أحمد.
وعن أنس قال: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة» رواه الجماعة، وعن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله، علمني سُّنة الأذان فعلمه، وقال: «فإن كان صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله» رواه أبو داود وأحمد.
س132: بين معاني ما يلي من الكلمات: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الشفع، الوتر، الترسل، الحدر.
ج: أشهد أن لا إله إلا الله: معناها أعلم أن لا إله إلا الله، وأبين أن لا إله إلا الله؛ ولهذا سميت الشهادة بينة، وقلو الله عز وجل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ معناه: بين الله ذلك، وأعلم أن لا إله إلا هو، وشهد الشاهد بالحق عند الحاكم معناه بين للحاكم وأعلمه ما عنده من الخير، أشهد أن محمدًا رسول الله معناها أيضًا: أبين وأعلم، والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءت الإبل رسلاً، أي متتابعة. قال الأعشى:
يسقي رياضًا لها قد أصبحت عرضًا
زورًا تجانف عنها القود والرسل
والقود: الخيل، والرسل: الإبل المتتابع. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل معناه: هلموا إليها وأقبلوا عليها، وعلى هاهنا بمعنى: إلى، أي هلم إلى الصلاة، والحيعلة حكاية. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال الشاعر:
ألا رب طيف منك بات معانقي إلى أن دعا داعي الصباح فحيعلا
ونظيرها في الكلام، البسملة والحوقلة إذا قال بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر:
لقد بسملت ليلي غداة لقيتها
فياحبذا ذاك الحديث المبسمل
وزاد بعضهم: السبحلة والحمدلة حكاية قول سبحان الله والحمد لله وزاد بعض المتأخرين الطيلقلة والدمعزة حكاية قول القائل أطال اله بقاءك، وأدام عزك، وزاد بعضهم: الجعفلة حكاية قول القائل: جعلت فداك،
الفلاح الفوز والبقاء، أي هلموا إلى العمل الذي يوجب البقاء والخلود في الجنة، وقول الصلاة خير من النوم، يسمى التثويب من ثاب إذا رجع وثوب الداعي إذا كرر ذلك؛ لأن المؤذن دعا إلى الصلاة ثم عاد إليها، ويقال: تاب إليه عقله، أي رجع إليه، وأنشدوا في ذلك:
وكل حي وإن طالت سلامته
يومًا له من دواعي الموت تثويب
الشفع: الزوج، يقال: شفعت الشيء إذا ضممت إليه مثله، والمراد أن يأتي بألفاظه شفعًا وهو مفسر بقوله: مثنى مثنى، قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله مثنى على ما سواها. انتهى. فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة، كحديث عبدالله بن زيد ونحوه؛ الوتر: الفرد وأوترته إذا أفردته؛ الترسل: التمهل، والثاني من قولهم: جاء فلان على رسله؛ والحدر: الإسراع؛ الله أكبر: أي من كل شيء أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير. والله أعلم.
س133: ما الدليل على أفضلية الأذان من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية. وعن معاوية أن النبي قال: «إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله : «من أذن محتسبًا سبع سنين كتب له براءة من النار» رواه ابن ماجه، وفي حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».
س134: بين حكم الأذان في حق المسافر، واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه واجب في السفر للجماعة، كما يجب في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر، وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليـؤمكما أكبركما» متفق عليه. وهذا ظاهر في وجوبه؛ ولأنه وأصحابه لم يكونوا يتركون الأذان في أسفارهم، وقيل: إنه مسنون للمسافر، لما ورد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: «يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س135: بين حكم الأذان قبل دخول الوقت، وجلوس المؤذن بعد الأذان. واذكر الخلاف.
ج: لا يجوز قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل، لما ورد عن ابن مسعود، أن النبي قال: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله : «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا حتى يستطير، هكذا يعني معترضًا» رواه مسلم وأحمد والترمذي، ولفظهما: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال والفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق»، وروى زياد بن الحارث الصدائي قال: «لما كان أول أذن الصبح أمرني النبي فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إليّ ناحية الشرق، ويقول: «لا حتى إذا طلع الفجر»، نزل فبرز، ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخا صداء قد أذن فهو يقيم» قال فأقمت» رواه أبو داو والترمذي، ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت، وقيل: لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر، لمـا روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام، وعن بلال أن رسول الله قال له: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر» هكذا، ومد يديه عرضًا. رواهما أبو داود. ومن حديث أنس عند البخاري وغيره قال: «إن النبي كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، فجعل شعار ديار الإسلام الأذان على طلوع الفجر»، وقالت طائفة من أهل الحديث: إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس؛ لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت، لم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما، ويستحب أن يجلس مؤذن بعد أن أذان صلاة يسن تعجيلها، كمغرب جلسة خفيفة، ثم يقيم الصلاة، لحديث أبي بن كعب مرفوعًا «اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي حاجته في مهل» رواه عبدالله بن أحمد.
وعن جابر أن النبي قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمقتضى إذا دخل لقضاء حاجته» رواه أبو داود والترمذي.
وكل أذان ليس في الوقت باطل
وبعد أذان المغرب أقعد هنيهة
فأذن لأولاهن ثم أقم لها
وفي موضع التأذين إن يسهلن أقم
بلى بعد نصف الليل للفجر غرد
وإن تشأ جميعًا أو فوائت باعد
وفي باقيات للإقامة أفرد
وفي مغرب بعد الأذان ليقعد
يسيرًا فلا تكره إذًا ركعتين للمصلي بلا خلف على نص أحمد.
س136: ما حكم رفع الصوت بالأذان؟ وما دليل الحكم؟
ج: مسنون، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس» رواه الخمسة إلا الترمذي، وعن عبدالله بن عبدالرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له: «أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ، رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه.
س137: بين حكم ما يلي: التثويب في أذان الفجر بعد الحيعلة، الإسراع في الإقامة، جعل المؤذن أصبعيه في أذنيه، التفاته في الحيعلة يمينًا وشمالاً غير مستدير وكونه على علو، وكونه متطهرًا قائمًا مترسلاً، وكونه أول الوقت, وكون المؤذن عالمًا بالوقت، بصيرًا حسن الصوت.
ج: هذه من المسنونات، لما ورد عن أبي جحيفة قال: «رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه» رواه أحمد والترمذي، وصححه. ولابن ماجه «وجعل أصبعيه في أذنيه»، ولأبي داود: «ولوى عنقه لما بلغ حي على الصلاة يمينًا وشمالاً ولم يستدر» وأصله في «الصحيحين»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي والبيهقي مرفوعًا من حديث أبي هريرة وموقوفًا عليه، وقال: وهو أصح، وأما كونه على علو، فلأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن» رواه أبو داود؛ وأما كونه مستقبل القبلة، فتقدم حديث أبي جحيفة وما يفهم منه، قال في الشرح: ولا نعلم خلافًا في استحبابه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السُّنة أن يستقبل القبلة بالأذان، وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة؛ وأما كونه قائمًا، فلما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «قم فأذن» وكان مؤذنوه صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا. قال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السُّنة؛ لأنه أبلغ في الأسماع؛ وأما كونه مترسلاً، فلما روى جابر أن النبي قال لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» رواه الترمذي وضعفه؛ وأما الدليل على كونه في أول الوقت، لما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي ، فإذا خرج أقام حين يراه» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأما كونه عالمًا بالوقت فلأمن الخطأ، وليتمكن من الأذان في أوله، وأما كونه بصيرًا، فلأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط، وكره ابن مسعود وبان الزبير أذانه، وكره ابن عباس إقامته؛ وأما كونه صيتًا، فلقوله لعبدالله بن زيد «ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» ولأنه أبلغ في الإعلام؛ وأما التثويب، وهو قول الصلاة خير من النوم مرتين، فلقول بلال «أمرني رسول الله أن ثوب في الفجر، ونهاي أن أثوب في العشاء» رواه ابن ماجه؛ وأما حدر الإقامة، فلقوله لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر» رواه أبو داود.
قال في «مختصر النظم»:
على نَشَزِ مُستقبلاً قائمًا فكنْ
وحيعل يمينًا بالتفاتٍ ويسرة
وخذ عن بلالٍ خمس عشرة كلمة
وإن يترسل بالأذان ويحدر
ومن أذن احرصْ أن يقيم مكانهُ
وفي الأذنين الأصبعين فأورد؟
ولا تدر الرجلين والطهر جود
ومن يقم إحدى عشرة ليعدد
الإقامة يظفر بالأحب ويقتدى
وللفجر بالتثويب ثنتين أفرد
س138:من الأولى أن يتولى الأذان والإقامة؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يستحب أن يتولاهما واحد، لحديث زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء أذن» قال: فأذنت وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم» رواه الخمسة إلا النسائي، ولفظه لأحمد.
س139: ما حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم أخذ الأجرة، ويجوز أن يجعل له رزق من بيت المال لعدم متطوع، لما روى عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س140: بين من المقدم عند تشاح المؤذنين؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يقدم أولاً أفضلهما فيه، ثم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قرعة؛ أما دليل الأفضل فيه، فقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله ابن زيد: «ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا» الحديث، وتقدم قريبًا. وقدم أبا محذورة لصوته؛ وأما الدليل على تقديم الأفضل في دينه وعقله عند الاستواء في ذلك، فلما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» رواه أبو داود وغيره؛ ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت فبالأفضلية في ذلك أولى؛ لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت؛ لأن الضرر بفقدهما أشد، وأما تقديم من يختاره الجيران على غيره؛ فلأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم؛ ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن أعف عن النظر وعن الشبهات؛ وأما كونه يقرع عند التساوي، فلقوله : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد. قال الناظم:
ومتقن ذا قدمه عند تنازع
ومن يحتسبه فهو أو من الذي
فإن يستووا أقرع كسعد وجوزن
فدين فعقل فانتقا جار مسجد
له رزق بيت المال أو أجر ممدد
أذانًا لأعمى متقن أو مقلد
س141: إذا جمع أو قضى فوائت، فما الحكم؟ وكم يؤذن؟ وكم يقيم؟ وضح ذلك.
ج: حكم الأذان والإقامة مسنون فيؤذن للأولى ويقيم لكل فريضة، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع رسول الله في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ ، فقال: «تنحوا عن هذا المكان»، قال: ثم أمر بلال فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح، رواه أبو داود.
ولما ورد عن أبي عبيدة بن عبدالله ابن مسعود عن أبيه «أن المشركين شغلوا النبي يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
ولما روى مسلم عن جابر: «أن النبي أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» إلى غير ذلك من الأدلة.
س142: ما المسنون قوله عند سماع الأذان؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: يسن متابعته سرًا بأن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا في التثويب فيحوقل أو يقول: صدقت وبررت، لما ورد عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله :
«إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» رواه مسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ومثل المؤذن قبل إذا ما سمعتهُ
وعند فراغ منه فاسأل وسيلة
وفضل أذان المرء يعلو إمامة
وحوقل إذا حيعل تثابن وترشد
لخير الورى تؤت الشفاعة في غد
وقد قيل بل بالعكس فاختر وجود